ابن الرزاز الجزري




بديع الزمان أبو العز الرزاز الملقب بـ الجزري (1206 م) من رواد الهندسة الميكانيكية العرب. اخترع العمود المرفقي Crankshaft ، وبعض أول الساعات الميكانيكية التي تعمل بالماء والأثقال. سجل أكثر من 60 اختراعاً في كتابه "الجمع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل".

ولد بديع الزمان في منطقة الجزيرة بأعلى بلاد الرافدين. وقد عمل، مثل أبيه، مهندساً لدى سلاطين الأتراك الارتقيين الذين كانوا يحكمون مدينة ديار بكر.

وصف الجزري نحو 50 آلة ميكانيكية في ست تصنيفات مختلفة مثل الساعات المائية (احدى ساعاته الشهيرة قام متحف العلوم في لندن عام 1976 بإعادة بنائها)، جهاز غسيل الأيدي، أجهزة رفع المياه، المضخات الثنائية بمواسير شفط، استخدام العمود المرفقي في آلة، معايرة فوهة، تغليف الخشب لمنع إلتوائه، الموازنة الاستاتيكية للعجلات، استخدام النماذج الورقية لتمثيل التصميمات الهندسية، صب المعادن في صناديق القوالب المغلقة باستخدام الرمل الأخضر، والكثير من الآلات غير هؤلاء. وله الفضل في أول اختراع مسجل لروبوت انساني مبرمج

اهمية الجزري في تطور العالم الحديث

إن التطرق لأهمية الجزري الذي عاش في بدايات القرن الثالث عشر الميلادي هو التطرق لإنجازات العرب الميكانيكية التي كانت تنفذ بأيدي الصناع المبدعين وتكمن أهمية الجزري بأنه كان :

يمثل التيار الرئيسي للمهارات الميكانيكية الدقيقة و التي إزدهرت في الأجيال اللاحقة في ورشات صانعي الساعات و صانعي الأجهزة العلمية ، تلك التكنولوجيا التي كانت وراء الثورتين العلمية و الصناعية . وضعه لساعات لاتزال قائمة ومضخات لاتزال تعمل إلى وقت قريب.

إن عمل الجزري هو حلقة في سلسة أعمال المهندسين العرب ومن سبقهم من حضارات ما بين النهرين والحضارات السورية القديمة ووادي النيل والفارسية والهندية.

إن إبداع الجزري أضاف إلى ما كان معروفا و اخترع الكثير من الآلات والوسائل الميكانيكية والهيدروليكية التي ظهر أثرها في التصميم الميكانيكي للمحرك البخاري و محرك الإحتراق الداخلي والتحكم الآلي و التي لا تزال أثارها ظاهرة إلى الآن .

ابداعه في تصميمات معدات رفع المياه

إن الجزري كان يجمع بين العلم والعمل و يمثل وصفه للآلات وصف مهندس مخترع مبدع عالم بالعلوم النظرية والعلمية ومن أهم تصميماته المضخة ذات الأسطوانتين المتقابلتين وهي تقابل حاليا المضخات الماصة و الكابسة ، وتصميماته لنواعير رفع الماء عن طريق الإستفادة من الطاقة المتوفرة في التيار الجاري في الأنهر . و إن تصميمه لمضخة الزنجير والدلاء ( كتاب الجامع بين العلم والعمل الجامع في صناعة الحيل ) هو نوع من ألات السقوط وهذه الألات تعطي مردود حركي بفضل سقوط الماء على المغارف وتحتاج عادة مثل هذه الألات إلى رفع منسوب الماء عن طريق سدود أو مصادر مائية أخرى .

وتكمن أهمية تصميمات الجزري بأن كافة الات رفع الماء المعقدة ذات الزنجير والدلاء الموضوعة من قبل الجزري كانت تدور بقوة دفع الحيوانات وليس بقوة الماء وهو الذي وضع أساس الإستفادة من الطاقة الكامنة للمياه بشكل عملي.

إن الإهتمام بتطور الأجهزة المائية كان له عدة اسباب

التطور الزراعي و الحاجة إلى مياه الري. التطور الإقتصادي و حاجة المشاريع الزراعية لمياه الري و خصوصا أن الجزري عاش في منطقة ديار بكر على ضفاف نهر دجلة وفترة حياة الجزري كانت فترة استقرار و رخاء عاشه المجتمع . تأمين مياه الشرب إلى المنازل في المناطق السكنية . الدعم من قبل ولاة البلاد .

الجميل الذي يجب حفظه اليوم للجزري

عند الإطلاع على مخطوطات الجزري و تفهم إبداعاته نرى ما قدمه للحضارة العالمية من تصميمات كان لها اثر كبير على تطور التكنلوجيا التي يتمتع بها عالمنا المعاصر كتصميمه مضخة كابسة استعمل فيها لأول مرة صمامات عدم الرجوع التي لا غنى عنها اليوم وتصميماته لآلات تستعمل القوة الكامنة في سقوط الماء.

المعلومات الكاملة عن فرس النهر








فرس النهر، و الذي يُسمى أيضا فرس النهر المألوف حيوان إفريقي ضخم عاشب. إجمالا يعد أحد النوعين المتبقيين على قيد الحياة اليوم من فصيلة البرنيقيات (الآخر هو فرس النهر القزم). يعرف فرس النهر باللغة العربية أيضا بالبرنيق وسيد قشطة كما يسمونه في مصر، و يشتق اسماه اللاتيني والإنكليزي "هيبوبوتاموس" (Hippopotamus) و العربي من اليونانية ( πποπόταμος ) حيث أن "هيبو" (باليونانية : ιππος) تعني حصان و "بوتاموس" ( باليونانية : πόταμος ) تعني نهر.

فرس النهر حيوان نصف مائي وهو يستوطن البحيرات و الأنهار في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وقد إمتد موطنه في السابق عبر وادي النيل وصولاً إلى فلسطين و الأردن شمالاً. تعيش أفراس النهر في مجموعات يبلغ عدد أفرادها حوالي 40 رأسا، وهي تبقى معظم النهار في الماء أو الوحل حتى تتبرّد. يحصل التزاوج و الولادة في الماء حيث تقوم الذكور الإقليمية بالتقاتل مع بعضها للسيطرة على مجال صغير من النهر، و تخرج أفراس النهر عند الغسق لترعى الأعشاب و يعتبر الرعي نشاطا فرديا يقوم به كل فرد وحده أي أن الأفراس لا تتجمع كما تفعل عندما تكون في الماء قرب بعضها البعض.

تعتبر الحيتانيات مثل الحيتان و خنازير البحر و أقربائها هي أقرب الحيوانات لأفراس النهر على الرغم من تشابه تلك الأخيرة مع الخنازير و غيرها من الحافريات المزدوجة الأصابع. يقدر العلماء أن السلف المشترك للحيتان و أفراس النهر إنفصل عن باقي مزدوجات الأصابع منذ حوالي 60 مليون سنة، أما أقدم المستحثات لفرس النهر فيقدر عمرها بحوالي 16 مليون سنة وقد وجدت في أفريقيا وهي تنتمي إلى جنس "فرس النهر الكيني" ( باللاتينية: Kenyapotamus ).

يعرف فرس النهر بواسطة جسده الأسطواني الشكل و العديم الشعر، القوائم القصيرة، و الحجم الضخم. يقارب فرس النهر وحيد القرن الأبيض في حجمه و لا يفوقه في القد سوى الفيلة، وعلى الرغم من قصر قوائمه فإن هذا الحيوان قادر على أن يسبق إنساناً بسهولة في الجري فقد تم قياس سرعته بحدود 30 ميلا في الساعة و بالتالي فيمكن اعتبار أنه قادر على أن يسبق عدّاءً أولمبياً في سباق للمسافات القصيرة . يعتبر فرس النهر من أشد الحيوانات خطورة على الإنسان على الرغم من شيوعه في حدائق الحيوانات و إظهاره بمظهر "العملاق اللطيف". يعيش حاليا حوالي 125,000 إلى 150,000 فرس نهر في البريّة جنوبي الصحراء الكبرى، و تعتبر زامبيا (40,000 رأس) و تنزانيا (20,000 - 30,000 رأس) الدول التي تؤوي أكبر أعداد من هذه الحيوانات، و لا تزال أفراس النهر مهددة حالياً من القنص الغير شرعي للحصول على لحمها و أنيابها العاجيّة ومن فقدان المسكن.

أصل النوع و تصنيفه

فرس النهر حيوان اجتماعي يعيش في قطعان يبلغ عدد أفرادها 40 حيوانا، و يسمّى فرس النهر الذكر "ثوراً" بحسب التعبير الإنكليزي و تسمى الأنثى "بقرة" و الصغير "عجلاً". يعرف هذا النوع أيضا باسم فرس النهر المألوف و فرس النهر النيلي و ذلك لتميزها عن فرس النهر القزم و غيره من الأنواع المنقرضة، إلا أن مجرد التعبير بقول "فرس النهر" يقصد به إجمالا هذا النوع.

يعتبر جنس أفراس النهر هو الممثل الرئيسي لفصيلة البرنيقيات على الرغم من أن فرس النهر القزم يمثل جنساً آخر بحد ذاته. وقد تم تصنيف خمس سلالات من فرس النهر بناء على اختلافات تشكّليّة في جماجمها و المنطقة الجغرافية التي تقطنها:

* السلالة البرمائية ( Hippopotamus amphibius amphibius ) - التي إمتد موطنها في السابق من فلسطين و الأردن حتى مصر (حيث إنقرضت الآن) نزولا عبر وادي النيل حتى تنزانيا و موزامبيق.

* السلالة السواحيليّة ، سلالة كيبوكو ( Hippopotamus amphibius kiboko ) - في القرن الإفريقي، كينيا و الصومال. كيبوكو هو الاسم السواحيلي لفرس النهر، و تتميز هذه السلالة عن غيرها بفتحات أنفية أوسع و تجويف أكبر في الجمجمة.

* سلالة رأس الرجاء الصالح ( Hippopotamus amphibius capensis ) - تنتشر هذه السلالة من زامبيا حتى جنوب إفريقيا و تتميز عن غيرها بأن لديها أكثر الجمجمات تفلطحا.

* السلالة التشاديّة ( Hippopotamus amphibius tschadensis ) - تنتشر عبر إفريقيا الغربية إلى تشاد كما يوحي اسمها، تمتلك وجها أقصر بقليل من غيرها بالإضافة إلى محجرات عين بارزة .

* السلالة المنقبضة ( Hippopotamus amphibius constrictus ) - تنتشر في أنغولا، جنوبي الكونغو، و ناميبيا.

لم يقم علماء الأحياء يوما بالتصديق تماما على هذا التصنيف لسلالات فرس النهر، فالاختلافات بينها ضئيلة و قليلة لدرجة جعلت البعض من العلماء يفترض بأنها غير كافية لإعتبار أن من يحملها يكون بمثابة نويع أو سلالة مميزة . وقد قامت بعض الفحوصات و الاختيارات الجينيّة للتأكد من صحة وجود هذه السلالات المزعومة، و ظهر بعد أن تمّ فحص الحمض النووي من بضعة عينات من الجلد و التي أخذت من 13 موقعا مختلفا في أفريقيا، أن لأفراس النهر القاطنة مختلف أطراف القارة تنوعا جينيا و ظهر أبرزه عند السلالة البرمائية و سلالة رأس الرجاء الصالح و السلالة السواحيلية أما السلالتين المنقبضة و التشادية فلم يتم أخذ عينات منها

التصنيف

تصنّف البرنيقيات مع باقي الحافريات في رتبة مزدوجات الأصابع التي تضم أيضا الجمليات، البقريات، الأيليات، و الخنزيريات على الرغم من أن أفراس النهر لا تربط بهذه المجموعات بشكل وثيق. كان الإغريق القدماء يعتقدون أن أفراس النهر وثيقة الصلة بالأحصنة كما يدل اسمها، و كان علماء البيئة يصنفون أفراس النهر مع الخنازير حتى عام 1985 بناء على شكل طواحنها أو أسنانها. إلا أن الدلائل التي ظهرت من البروتين الموجود في الدماء و الحمض النووي و المستحثات أظهرت أن أقرب الحيوانات إلى أفراس النهر هي الحيتانيات أي الحيتان و خنازير البحر و الدلافين و أقربائها. تتشارك أفراس النهر في العديد من الصفات مع الحيتان أكثر من الحافريات الأخرى مثل الخنازير، بما أن السلف المشترك للحيتان و البرنيقيات إنفصل عن باقي الحافريات منذ ملايين السنين، وعلى الرغم من هذا فإن أنساب هذه الحيوانات سرعان ما إنشقت عن باقي مزدوجات الأصابع بعد ذلك.

تطور النوع

أظهرت الدراسات الحديثة حول أصل فصيلة البرنيقيات أن أفراس النهر تتشارك مع الحيتان في سلف برمائي مشترك إنفصل عن باقي الحافريات منذ حوالي 60 مليون سنة، و يفترض أن هذا السلف المزعوم تطور و أنشأ فرعين مختلفين منذ حوالي 54 مليون سنة . وقد تطور أحد هذه الفروع إلى فصيلة الحيتانيات بدأ بالحوت البدائي "بكيستثس"، على الأرجح، الذي عاش منذ 52 مليون سنة و غيره من أسلاف الحيتان الأولى التي تأقلمت في النهاية مع العيش تحت الماء بصورة دائمة و تطورت لتصبح فصيلة الحيتانيات الحاليّة

أما الفرع الآخر فقد تطور إلى فصيلة كبيرة من البهائم الرباعية الأرجل و التي تعتبر أسلاف فصيلة البرنيقيات، وقد عاش أول هذه الحيوانات في أواخر العصر الفجري (الإيوسيني) و كان يشبه فرس نهر نحيلا ذو رأس صغير ضيق. تفرّعت هذه الفصيلة أيضا إلى عدّة فروع إنقرضت جميعها، دون أن تترك ذريّة متحدرة منها، عدا الفرع الذي تطور ليصبح فصيلة البرنيقيات.

نشأت البرنيقيات الحديثة في أفريقيا، و كان جنس "فرس النهر الكيني، Kenyapotamus" هو أول أفراس النهر التي عاشت في تلك القارة. انتشرت الأنواع المختلفة من أفراس النهر في فترة معينة عبر آسيا و أوروبة ولكنها لم تبلغ الأميركيتين كما يظهر حتى الآن، إلا أنه تم العثور على مستحثات لأجناس عدّة من الفصيلة الكبرى التي تفرعت منها البرنيقيات في أميركا الشمالية و التي يعود تاريخها إلى أوائل العصر الضّحوي (الأوليغوسين). و قد عاش أحد أسلاف فرس النهر المعاصر المسمّى "أرشيوبوتموس، Archaeopotamus" في أفريقيا و الشرق الأوسط بين 7.5 و 1.8 مليون سنة .

يتواجد حاليا جنسين من فصيلة البرنيقيات هما جنس فرس النهر و فرس النهر القزم الذين إنفصلا منذ 8 ملايين سنة على الأكثر، و لا يزال العلماء لا يفهمون سجل مستحثات أفراس النهر بشكل كبير كما يختلفون حول اعتبار فرس النهر القزم من جنس أفراس النهر القزمة الأصلية الأساسية أم من جنس آخر للعديد من فصائل أفراس النهر الآسيوية و المسماة "هيكسابروتودون، Hexaprotodon" القريبة لجنس فرس النهر.

الأنواع المنقرضة

كانت ثلاثة أنواع من أفراس النهر تعيش في مدغشقر وقد إنقرضت جميعها خلال العصر الحالي (الهولوسين) و كان أخرها قد استمر بالوجود حتى 1,000 سنة خلت. و كانت أفراس النهر المدغشقريّة أصغر حجما من تلك المعاصرة وقد يعود السبب في ذلك إلى الانعزال على جزيرة لوحدها بعيدا عن الأنواع الأخرى من البرنيقيات، و تظهر الأدلة من المستحثات أن أفراس النهر المدغشقرية كانت تصاد من قبل البشر و ربما ساعد ذلك على انقراضها. يعتقد أنه من الممكن أن تكون بعض أفراس النهر هذه قد استمرت بالتواجد في بعض الجيوب النائية و المعزولة، ففي عام 1976 أفاد بعض القروين بأنهم شاهدوا حيوانا يدعونه "كيلوبيلوبيتسفي" و الذي يحتمل بأن يكون فرس نهر مدغشقري.

ومن الأنواع الأخرى للبرنيقيات فرس النهر الأوروبي و فرس النهر الواسع الحجرات الذين عاشا في أوروبة وصولا إلى الجزر البريطانية، وقد إنقرض كلا منهما قبل الدور الجيلدي الأخير. و إستطاعت أسلاف أفراس النهر الأوروبية أن تصل إلى العديد من جزر البحر المتوسط خلال العصر الحديث الأقرب (البليستوسين)، حيث عاشت أنواع مختلفة منها على جزر كريت، قبرص، مالطا، و صقلية. استمر فرس النهر القبرصي القزم وحده بالتواجد حتى أواخر العصر البليستوسيني و أوائل العصر الحالي، و لا تزال الدلائل التي تظهر من الحفريات في موقع أتوكرمنوس في قبرص تحيّر العلماء حول ما إذا كان هذا النوع قد قابله البشر و دفعوه إلى الانقراض أم لا.

الوصف

فرس النهر هو أحد أضخم الثدييات الموجودة في العالم حاليا ويعتبر من الحيوانات الكبرى المتبقية على قيد الحياة، إلا أنه تأقلم، على عكس بقية الحيوانات الكبرى الإفريقية، لعيش حياة برمائية في البحيرات و الأنهار العذبة. يصعب قياس وزن أفراس النهر في البرية بسبب حجمها الضخم و تأتي معظم التقديرات من عمليات التنقية التي حصلت في الستينات من القرن العشرين، حيث يفترض أن الوزن الطبيعي للذكور الناضجة يتراوح بين 1500 و 1800 كيلوغراما (3,300 - 4,000 رطلا). تكون الإناث أصغر حجما و أقل وزنا من الذكور حيث يبلغ وزنها بين 1300 و 1500 كيلوغراما (2,900 - 3,300 رطلا) بينما تبلغ الذكور الأكبر سنا أحجاما أكبر بكثير إذ يصل وزنها إلى 3,200 كيلوغراما (7,100 رطل) على الأقل، و يظهر بأن ذكور فرس النهر يستمر حجمها بالنمو طيلة حياتها بينما تبلغ الإناث الحد الأقصى في حجمها عند بلوغها حوالي 25 سنة .

يبلغ معدل طول فرس النهر 3.5 أمتار (11 قدما)، و ارتفاعه 1.5 أمتار (5 أقدام) عند الكتفين، و يماثل وحيد القرن الأبيض فرس النهر في الحجم تقريبا حيث أن استخدام مقاييس مختلفة لقياسهما يجعل من الصعب الجزم أيهما ثاني أكبر الثدييات البريّة بعد الفيل. تستطيع أفراس النهر العدو بسرعة أكبر من سرعة الإنسان على الرغم من ضخامتها و تقدر سرعتها من 30 كيلومترا بالساعة (18 ميل بالساعة ) إلى 40 كيلومترا بالساعة (25 ميل بالساعة ) أو حتى 50 كيلومترا بالساعة (30 ميلا بالساعة )، إلا أن هذا الحيوان يستطيع الحفاظ على هذه السرعة الكبيرة لبضعة مئات من الأمتار فقط.

يمتد مدى حياة فرس النهر من 40 إلى 50 عاما إجمالا. تعتبر أنثى فرس النهر المسماة دونا والتي تعيش في حديقة حيوانات مسكر في ولاية انديانا في الولايات المتحدة، أكبر أفراس النهر الحيّة سنا. أما أكبر هذه الحيوانات سنا على الإطلاق فكانت أنثى تدعى تانغا وقد عاشت في ميونخ بألمانيا و ماتت خلال عام 1995 عن عمر 61 سنة .

تقع الفتحات الأنفية و عيون و أذان فرس النهر على رأس جمجمته مما يسمح له بإبقاء معظم جسده مغمورا بالماء و الوحل في الأنهار الإستوائية التي يقطنها و تفادي الإصابة بحروق شمسيّة. يعتبر الشكل الخارجي لهذه الحيوانات مصمما كليّا لجعلها قادرة على التأقلم مع حياتها على الضفاف، فهيكلها العظمي مصمم ليتحمّل ثقلها الكبير و قوائمها قصيرة مقارنة بغيرها من الحيوانات الكبرى بسبب أن المياه تساعد على التقليل من الضغط عليها عندما تكون مغمورة، و كغيرها من الحيوانات المائيّة فإن لأفراس النهر القليل من الشعر.

يفرز جلد أفراس النهر واقيا طبيعيا من الشمس ذو لون أحمر لحمايتها من أشعة الشمس القوية و تسمى هذه الإفرازات "بالعرق الدموي" إلا أنها ليست بعرق أو دم. تكون هذه الإفرازات عديمة اللون إلا أنها تتحول إلى برتقالية ضاربة إلى الحمرة بغضون دقائق ومن ثم إلى بنية في النهاية، وقد تم تعريف نوعين من الأصباغ في هذه الإفرازات إحداها حمراء و الأخرى برتقالية وكلاهما مركبات أسيديّة عالية الحموضة . إكتشف العلماء أن الصبغة الحمراء تمنع نمو البكتيريا المسببة للأمراض مما جعل البعض يفترضون بأنها تلعب دور المضاد الحيوي، وكلا الصبغتين تمتص أشعة الشمس بشكل أكبر خلال الفترة التي تبث فيها الأشعة ما فوق البنفسجية مما يجعلها تلعب دور المرهم الواقي من الشمس. تفرز جميع أفراس النهر هذه المواد بغض النظر عن حميتها مما يثبت بأن نوع الطعام الذي تتناوله ليس مسؤولا عن هذه الإفرازات بل لعل الحيوانات تصنع الصبغات من الأحماض الأمينية و التيروسين.

انتشار النوع

كانت أفراس النهر منتشرة عبر شمال إفريقيا و أوروبة و بعض الدول العربية حتى قبل بداية الدور الجليدي الأخير، و تعتبر أفراس النهر قادرة على العيش في الدول ذات المناخ البارد شريطة أن لا يتجمد الماء الذي تغطس فيه خلال الشتاء. استمرت هذه الحيوانات بالتواجد في منطقة النيل المصرية حتى مؤخرا إلا أنها إنقرضت بعد ذلك، و ذكر بعض الكتّاب أن أفراس النهر استمرت بالتواجد في فرع دامييتا بعد الفتح العربي في عام 639 م. و لا تزال أفراس النهر تتواجد اليوم في بحيرات و أنهار أوغندا، السودان، الصومال، كينيا، شمالي الكونغو و الحبشة، غربا عبر غانا إلى غامبيا و أيضا في أفريقيا الجنوبية (بوتسوانا، جنوب إفريقيا، زيمبابوي، و زامبيا)، و تتواجد جمهرة منفصلة في تنزانيا و موزامبيق.

الحفاظ على النوع

أظهرت التحاليل الجينية بعض الدلائل حول زيادة أعداد أفراس النهر في أفريقيا خلال أو بعد العصر الحديث الأقرب (البليستوسين) بسبب ازدياد عدد و مساحة المسطحات المائية عند نهاية هذه الفترة، و لهذه الاكتشافات دلائل مهمّة حول تحديد وضع النوع في أفريقيا حاليا إذ أن الجمهرة الحالية أصبحت مهددة عبر القارة بسبب تجفاف مؤلها و تعذّر الوصول إليه في بعض المناطق بسبب التمدن، كما و تعتبر أفراس النهر مهددة من القنص الغير شرعي. و بالإضافة لهذين الخطرين فإنه يجب الحفاظ على التنوّع الجيني لهذه الحيوانات لضمان استمرارية النوع، وفي مايو 2006 صنّف فرس النهر على أنه من الأنواع المعرّضة للانقراض في المستقبل بحسب اللائحة الحمراء للإتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة حيث قدرت أعداد الجمهرة بين 125,000 و 150,000 فردا أي أقل بنسبة 7 و 20% منذ إحصاء الإتحاد الأخير في عام 1996.

أن أبرز الأمكنة التي يمكن ملاحظة تناقص جمهرة أفراس النهر فيها هي الكونغو، حيث تناقصت أعداد الحيوانات في منتزه فيرونغ الوطني من قرابة 29,000 إلى 800 أو 900 رأسا في منتصف سبعينات القرن العشرين مما أثار قلقا حول حيوية هذه الجمهرة . و يعزى تناقص تلك الحيوانات إلى حرب الكونغو الثانية حيث قام ثوّار الهوتو و الجنود المتقاضين رواتب قليلة بالإضافة لجماعات الميليشيا بقنص هذه الحيوانات لعدة أسباب، ومن هذه الأسباب الاعتقاد السائد بأن أفراس النهر حيوانات غير ذكيّة و تشكل أذى للمجتمع و أيضا للحصول على بعض المال. يعتبر بيع لحوم أفراس النهر عملا غير قانونيا إلا أن التجارة في السوق السوداء يعتبر عملا من الصعب على ضبّاط برنامج الحفاظ على الحياة البرية السيطرة عليه.

العادات

تمضي أفراس النهر معظم نهارها وهي تتمرّغ في الماء أو الوحل مع باقي أفراد القطيع، و يساعد الماء على إبقاء حرارة جسدها معتدلة و منع جلدها من التقشّر و الجفاف. تتمحور حياة فرس النهر (بمعظمها)، عدا الإقتيات، من الولادة و التقاتل و التناسل حول المياه. تغادر أفراس النهر المياه عند الغسق و تمشي لمسافة معينة قد تبلغ 8 كيلومترات (5 أميال) لترعى مصدر طعامها الأساسي أي الحشائش القصيرة، حيث تمضي أربع أو خمس ساعات تقتات وقد تستهلك قرابة 68 كيلوغراما (150 رطلا) من الأعشاب كل ليلة . تأكل أفراس النهر أي نوع من النباتات بحال توافرت لها، مثل معظم العواشب الأخرى، إلا أن حميتها الطبيعية تتكون من العشب بشكل كلّي تقريبا و القليل من النباتات المائية أحيانا. تمّ تصوير أفراس النهر وهي تقتات على الجيفة (قرب الماء عادة ) في بعض الأحيان، كما وردت تقارير أخرى عن أكلها للحم و حتى صيدها و إفتراسها لحيوانات أخرى و أكلها بني جنسها أيضا. تعتبر معدة فرس النهر غير ملائمة لهضم اللحم، و لذلك فهي لا تقدم على أكله إلا بحال تعرضت لنقص في مخزونها الغذائي الطبيعي أو سلكت سلوكا شاذا.

تتغوط هذه الحيوانات في الماء عادة، و يشكّل برازها ترسبات من مواد عضوية في قاع النهر. و لا يزال العلماء غير مدركين تماما للدور البيئي الذي تلعبه هذه الترسبات ، و لأفراس النهر تأثير بارز على الأراضي التي تمشي عليها كل يوم عندما تخرج للإقتيات و ذلك بسبب عادتها في المشي على نفس الدروب كل يوم مما يساهم بتعرية الأراضي من النباتات و تمهيدها، كما و يمكن لهذه الحيوانات أن تحوّل مجرى المستنقعات و القنوات عبر فترة طويلة من الزمن.

تعتبر أفراس النهر الناضجة بأنها غير قادرة على الطوفان على سطح الماء إجمالا، و عوضا عن ذلك فهي تقوم بدفع أنفسها من القاع عبر القفز و دفع أنفسها إلى أعلى عندما تخوض في المياه العميقة، و تتحرك أفراس النهر في الماء بسرعة تصل إلى 8 كيلومترات بالساعة (5 أميال بالساعة ). تعتبر صغار فرس النهر بأنها قادرة على الطوفان و غالبا ما تتحرك في الماء عن طريق السباحة عبر دفع نفسها بركلات من قوائمها الخلفية . تطفو أفراس النهر الناضجة كل 4 أو 6 دقائق لتتنفس أما الصغار فعليها أن تتنفس كل دقيقتين أو ثلاثة، و تحصل عملية التنفس و الطوفان بشكل ألي دون الحاجة ان يقوم بها الحيوان بنفسه حيث يلاحظ أن حتى فرس النهر النائم تحت المياه يطفو من تلقاء نفسه دون أن يقدم عل أي حركة . يغلق فرس النهر منخريه عندما يغطس، ومن القصص المميزة عن أفراس النهر قصة فرس النهر الصغير المسمى أوين و الذي نجا بعد أن قذف إلى البحر و وجد على حيّد رملي عند ضرب موجة التسونامي لإندونيسيا خلال عام 2004.

الحياة الإجتماعية

لطالما كانت دراسة التفاعل بين ذكور و إناث أفراس النهر تعتبر صعبة في البرية و ذلك عائد إلى أن هذه الحيوانات لا تمتلك فروقا بين الجنسين و بالتالي لا يمكن تمييز الإناث من الذكور الصغيرة في السن تقريبا. لا تعتبر أفراس النهر بأنها حيوانات اجتماعية على الرغم من أنها تعيش في مجموعات، كما و يبدو بأنها لا تشكل روابط اجتماعية سوى بين الأمهات و بناتها. و لا يزال سبب عيش هذه الحيوانات في مجموعات متراصّة غير معلوما حتى الآن.

تعتبر أفراس النهر حيوانات إقليمية في المياه فقط حيث يقوم كل ذكر بالاستئثار و رئاسة بقعة صغيرة من النهر يبلغ طولها إجمالا 250 مترا و تحوي قرابة عشرة إناث بينما يحوي القطيع بكامله قرابة 100 رأس. يسمح الذكر المسيطر للذكور العازبة بدخول منطقته طالما أنها تتصرف بخضوع نحوه و لا تحاول اجتذاب أي أنثى، و تتجمع أفراس النهر بداخل القطيع بناء على جنسها فالذكور العازبة تبقى قرب غيرها من الذكور العازبة و الإناث بجانب غيرها من الإناث بينما يبقى الذكر المسيطر وحده، أما عندما ترعى هذه الحيوانات فإن كلا منها يقوم بهذا بمفرده.

يظهر بأن أفراس النهر تتواصل شفهيا بواسطة الجأر و النفخ بأنوفها، كما يعتقد بأنها تتواصل بطريقة ارتداد الصوت كالخفافيش إلا أن الهدف من هذه الأصوات لا يزال غير معلوم حاليا. و تمتلك أفراس النهر قدرة مميزة تمكنها من رفع رأسها جزئيا فوق المياه و إصدار نداء ينتقل عبر الهواء و الماء على حد سواء فتتجاوب معها باقي الأفراس سواء كانت تحت الماء أم فوقها.

التناسل

تصل إناث فرس النهر إلى النضوج الجنسي عند بلوغها 5 أو 6 سنين، و تستمر فترة حملها لثمانية شهور. وقد أظهرت بعض الدراسات أن الإناث قد تصل إلى فترة البلوغ عندما تبلغ 3 أو 4 سنوات بينما تصل الذكور لتلك الفترة عند بلوغها حوالي 7.5 سنين.

أظهرت دراسة جرت في أوغندا حول سلوك التكاثر عند أفراس النهر بأن التزاوج يبلغ ذروته عند نهاية الفصل الممطر في الصيف بينما تبلغ الولادات ذروتها عند بداية الفصل الممطر في أواخر الشتاء، و سبب هذا الأمر يعود إلى توقيت الدورة النزويّة عند الأنثى، وقد ظهرت بعض الدلائل من دراسات حول أفراس النهر في زامبيا و جنوب أفريقيا على أن الولادات تحصل في بداية موسم الأمطار. تتوقف الإناث عن الإباضة، بعد أن تحمل، لفترة 17 شهرا.

تحصل عملية المجامعة في المياه حيث تكون الأنثى مغمورة معظم الوقت و لا تظهر رأسها إلا بعض الأوقات لتتنفس. تعتبر أفراس النهر من الثدييات القلائل التي تلد في المياه، و تشمل هذه الطائفة الحيتانيات و الخيلانيات (خراف البحر و الأطوم). تلد الأنثى صغيرا واحدا (و نادرا توائم) تحت الماء و يبلغ وزن الصغير ما بين 25 و 45 كيلوغراما (60 - 110 أرطال) وقد يصل طوله إلى حوالي 127 سنتيمترا (50 إنش) و يكون عليه السباحة إلى السطح فورا لكي يتنفس. يستريح الصغير على ظهر أمه غالبا عندما تكون الأخيرة في مياه عميقة يصعب على الصغير خوضها، كما و يسبح تحت الماء عندما يريد أن يرضع كما قد يقوم بذلك على البر عندا تخرج الأم من المياه. تبدأ الأمهات بفطم صغارها ما بين شهرها السادس و الثامن و تفطم جميع الصغار بالكامل عندما تبلغ السنة من عمرها. تعتبر أفراس النهر من الحيوانات التي تفضل النوعية على الكمية بالنسبة لتكاثرها، و التعبير المستخدم بالإنكليزية هو "كي ستراتجيستس أو كي سيليكشون، K-strategists أو K-selection" و هذا التعبير يستخدم بالنسبة للحيوانات الكبيرة التي تلد عددا قليلا من الصغار عبر فترة طويلة نسبيا من الزمن من شاكلة الأفيال و وحيد القرن و الحيتان.

العدائية

تكون أفراس النهر البالغة عدائية تجاه التماسيح التي تشاركها العيش في نفس البرك و الأنهار، و تبلغ هذه العدائية ذروتها عندما يكون لأفراس النهر صغار تحميها. و يعرف عن هذه الحيوانات بأنها عدائية جدا تجاه البشر أيضا حيث يزعم بأنها أخطر حيوانات إفريقيا و أكثرها تسببا للوفيات، إلا أنه و بحسب تقرير أوردته إحدى المجلات الحكومية الأميركية فإنه و على الرغم من أن هذه الحيوانات خطرة فإن الإحصائات حول عدد الوفيات التي سببتها أفراس النهر غير متوافرة فعليا.

تقوم أفراس النهر بهزّ ذيلها عند التغوّط لتبعثر برازها على أكبر مسحة ممكنة لكي تعلّم منطقتها، كما تبوّل إلى الخلف للسبب نفسه على الأرجح. من النادر أن تقتل أفراس النهر بعضها حتى خلال الصراعات الإقليمية، و عادة ما يتوقف الذكر الإقليمي أو الذكر المسيطر و الذكر المتحدي العازب عن القتال عندما يتبين أيهما أقوى من الآخر. تقوم ذكور فرس النهر بقتل الصغار عندما يصبح القطيع مكتظا جدا أو عندما يتضائل مسكنها بشكل كبير كما في فترات الجفاف الطويلة، وقد تقوم الإناث أيضا بقتل الذكور لتحمي صغارها إلا أن كلا التصرفين لا يعتبر طبيعيا في الفترات العاديّة .

علاقة فرس النهر بالإنسان

ظهرت الدلائل الأولى حول تفاعل البشر مع أفراس النهر من الرسومات الصخرية و المنحوتات في جبال أواسط الصحراء الكبرى، و إحدى هذه الرسومات تلك الموجودة في جبال طاسيلي ناجّر في الجزائر و التي تظهر عملية صيد لأفراس النهر. كان فرس النهر معروفا بشكل جيد عند الفراعنة أيضا حيث كان يعتبر بأنه قاطن النيل الشرس، و كانت الآلهة المصرية إيبة، آلهة الحمل و الولادة، ذات رأس فرس نهر، و لعل المصريين القدماء لاحظوا الطبيعة الدفاعيّة لأنثى فرس النهر التي تقوم بحماية صغارها مما جعلهم يمثلونها بهذه الطريقة .

كانت أفراس النهر معروفة أيضا بالنسبة للمؤرخين القدماء من الحضارتين الرومانية و الإغريقية حيث قام المؤرخ الإغريقي هيرودوتس بوصف أفراس النهر في كتابه التواريخ (440 ق.م) كما فعل المؤرخ الروماني بليني الأكبر في موسوعته التاريخ الطبيعي (77 م.).

فرس النهر في حدائق الحيوانات

تعتبر أفراس النهر من الحيوانات الشائعة في حدائق الحيوان، و كان أول فرس نهر يعرض في حديقة للحيوانات في عصرنا الحاضر يدعى أبسكه وقد وصل إلى حديقة حيوانات لندن بتاريخ 25 مايو 1850 و إجتذب حوالي 10,000 زائر بالنهار الواحد و أوحى بكتابة أغنية بريطانية شهيرة هي بولكا فرس النهر. لا تزال أفراس النهر تعتبر حيوانات مألوفة في حدائق الحيوانات وهي تتناسل بشكل جيد في الأسر، إلا أن معدل ولاداتها أقل من ذاك في البريّة و ذلك يعود إلى عدم رغبة الحدائق بإكثارها بشكل كبير لأنها حيوانات ضخمة و تتطلب تغذيتها و الحفاظ عليها الكثير من المصاريف.

ولدت معظم أفراس النهر الموجودة في حدائق الحيوانات اليوم في الأسر، و هناك ما يكفي منها في الحدائق حول العالم لدرجة أن إحضار أي حيوانات جديدة من البريّة يعتبر غير ضروريا إن تعاونت حدائق الحيوانات مع بعضها و تبادلت الحيوانات للحفاظ على التنوع الجيني للنوع.

كانت أفراس النهر تعرض كالكثير من الحيوانات الأخرى في حدائق الحيوانات في معرض من الاسمنت يضاف إليها بركة ماء و بقعة من العشب، وفي الثمانينات من القرن العشرين أخذ المصممين يعملون على بناء معارض تعكس مسكن الحيوانات الأصلي و أحد أكثر المعارض المعروفة لدى الناس هو حوض فرس النهر في حديقة حيوانات توليدو الذي يحوي بركة سعتها 360,000 غالونا من المياه. استطاع الباحثون في عام 1987 أن يقوموا بتصوير ولادة فرس نهر تحت الماء لأول مرة في حديقة الحيوانات ذاتها، و كان المعرض قد أصبح مشهورا لدرجة كبيرة بين الأفراد مما جعل الحديقة تتخذه كشعار لها.

ليث عفرين!





ليث عفرين

لَيْث عِفِرِّينَ أو الطُحَن (بالإنجليزية: Antlion) جنس حشرات، يرقاتها مفترسة تُدَوِّرُ دُوّارةَ ثم تَنْدَسّ في جوفها وتبقى تتصيد الحشرات من نمل وغيرها.

أصل التسمية

سمّيت ليث عفرّين: ليث لأنها تفترس الحشرات الأخرى، وعفرّين من العَفَر أي التراب، لاندساسها فيه. وسمّيت الطحن لأنها تطحن بنفسها الأرض حتى تغيب فيها‏.

تعريفات معاجم اللغة

ورد في معاجم اللغة:

ليثُ عِفِرِّينَ تُسَمِّي به العربُ دُوَيْبّة مأْواها التراب السهل في أُصول الحِيطان، تُدَوِّرُ دُوّارةَ ثم تَنْدَسّ في جوفها، فإِذا هِيجَت رَمَتْ بالتراب صُعُداً.

ليث عِفِرّين، وهذا يقولون إنّ الأصل فيه البابُ الأوّل، لأنَّ مأوَى هذه الدويْبَّة التُّراب في السهل، تدوِّر دارةً ثم تندسُّ في جوفها، فإذا هِيجَ رمَى بالتُّراب صُعُدا.

وأطرق إطراق الطُحَن وهو ليث عفرين دويبة مثل الفستقة يقول له الصبيان‏:‏ اطحن لنا جرابنا فيطحن بنفسه الأرض حتى يغيب فيها‏.

‏ الطُّحَنُ: لَيْثُ عِفِرِّينَ، وقوله: إذا رآني واحداً، أَو في عَيَنْ يَعْرِفُني، أَطْرَقَ إِطْراقَ الطُّحَنْ. إنما عنى إحدى هاتين الحشرتين؛ قال ابن بري: الرجز لجَندَلِ بن المُثَنَّى الطُّهَوِيِّ. الأَزهري: الطُّحَنة دُويبة كالجُعَل، والجمع الطُّحَنُ. قال: والطُّحَنُ يكون في الرمل، ويقال إنه الحُلَكُ ولا يُشْبِهُ الجُعَلَ، وقال: قال أَبو خيرة الطُّحَنُ هو لَيْثُ عِفِرِّين مثل الفُستُقة، لونه لون التراب يَندَسُّ في التراب؛ وقال غيره: هو على هيئة العِظَاية يَشتالُ بذنبه كما تفعلُ الخَلِفَة من الإِبل، وحكى الأَزهري عن الأَصمعي قال: الطُّحَنة دابة دون القُنفُذ، تكون في الرمل تظهر أَحياناً وتدور كأَنها تَطْحَنُ، ثم تَغُوص، وتجتمع صبيان الأَعراب لها إذا ظهرت فيصيحون بها: اطْحَني جِراباً أَو جِرابَين. ابن سيده: والطُّحَنَة دويبة صُفيراءُ طرفِ الذنب حَمراءِ، ليست بخالصة اللون، أَصغر رأْساً وجَسَداً من الحِرْباءِ، ذنبها طُول إصبع، لا تَعَضُّ.

أَشْجَعُ مِنْ لَيْثِ عِفِرينَ
زعم الأصمعي أنه دابة مثل الحِرْباء، تتعرض للراكب وتضرب بذنبها، وقالوا: هو منسوب إلى عِفِرينَ اسم بلد، ويقال: ليث عفرين دويبة مأواها التراب السهل في أصول الحيطان، تدور ثم تندسّ في جوفها، فإذا هيجت رَمَتْ بالتراب صُعُداً.
وقال الجاحظ: إنه ضرب من العَنَاكب يصيد الذباب صَيْدَ الفُهُود، وهو الذي يسمى الليث، وله ست عيون، فإذا رأى الذباب لطىء بالأرض وسكن أطرافه، فمتى وثب لم يخطىء.


مسجد السلطان عمر علي سيف الدين









مسجد السلطان عمر علي سيف الدين أو المسجد الذهبي، هو مسجد ملكي إسلامي شيد على بحيرة صعيرة وسط بندر سري بيگوان ، عاصمة سلطنة بروناي تم بناءه في عام 1958. ويصنف بأنه المسجد الأول من حيث الطراز المعماري في منطقة آسيا و المحيط الهندي والأكثر جذبا للسياحة. ويعتبر مسجد السلطان عمر علي سيف الدين من المعالم المميزة لسلطنة بروناي.

مقدمة

مسجد السلطان عمر.

مسجد السلطان عمر.

يعتبر مسجد السلطان عمر علي سيف الدين من الرموز الإسلامية في بروناي ، ويقع في العاصمة بندر سري بيگوان. وتم الإنتهاء من بناؤه عام 1958 ويعتبر نموذج للعمارة الإسلامية الحديثة. وهو واحد من أهم المعالم السياحية في بروناي.

العمارة

مشهد لمسجد السلطان عمر مع سفينة الإحتفالات.

مشهد لمسجد السلطان عمر مع سفينة الإحتفالات.

مسجد السلطان عمر.

مسجد السلطان عمر.

مسجد السلطان عمر.

مسجد السلطان عمر.

مشهد داخلي في مسجد السلطان عمر.

مشهد داخلي في مسجد السلطان عمر.

تعتبر العمارة في هذا المسجد مزيجا للعمارة الإسلامية والعمارة الإيطالي. وقد تم تصمميه بواسطة معماري إيطالي ، وتم بناؤه على بحيرة صناعية بالقرب من ضفة نهر بروناي حيث تحوطه المياه من كل جانب. ويتكون المسجد من بناء رخامي كبير ومجموعة من المآذن وقبة ذهبية وحديقة مليئة بها نافورة مياه. يحيط بالمسجد حديقة خضراء بها نباتات مزهرة.

ماهي الثريا





























الثريا (بالإنجليزية: Pleiades) والتي تعرف أيضاً باسم الشقيقات السبع أوبنات نعش، هي مجاميع نجمية مفتوحة في الفضاء الخارجي، تحوي الكثير من النجوم، و غالباً ما يمكن رؤيتها بالعين المجردة في السماء. تقع الثريا في كوكبة الثور فوق كتف الجبار اليمنى. ومع أن مجموعة الثريا تحوي الكثير من النجوم، والتي يزيد عددها عن خمس مائة نجم، تبدو قريبة جداً من بعضها، إلا أنها أكثر بعداً عن بعضها البعض من بعد الأرض عن الشمس، وتنتشر في الفضاء بمساحة تزيد عن خمسين سنة ضوئية تقريباً. والسبب الذي يجعلها تبدو قريبة جداً هي بعدها الكبير عن الأرض، والذي يتجاوز 500 مليون سنة نجمية.

ومثل هذه المجاميع المفتوحة تسمى عناقيد أو تجمعات نجمية مفتوحة، لبعد نجومها عن بعضها البعض. وقد سمي هذا التجمع النجمي تيمناً باسم الأخوات السبع بنات التيتان أطلس في الأساطير اليونانية، اللاتي حولتهن الآلهة إلى نجوم.

يشاهد الراصد بالعين المجردة ستا فقط منها وتذكر القصص أن الاخت السابعة مفقودة أو مختبئة لكنها تشاهد بالتليسكوب بسهولة (وليس بعيدا أن السابعة كانت مرئية قديما).

وفيما يلي أسماء الثريا في بعض اللغات الأخرى:

* الثريا في العربية

* כִּימָה في العبرية التوراتية

* ثريا في الفارسية

* 좀생이 (Jomsaeng-i) في الكورية (عادة ما يلحقها 별 byeol "نجم" أو 성단 seongdan "عنقود نجمي")

* سوبارو في اليابانية

* Matariki في Maori

* Kttikā في السنسكريتية

* پارڤين في الفارسية والهندية


الانتفاضة الفلسطينية الأولى


الانتفاضة الفلسطينية الأولى أو انتفاضة الحجارة، سمّيت بهذا الاسم لأن الحجارة كانت الأداة الرئيسية فيها، كما عرف الصغار من رماة الحجارة بأطفال الحجارة. والانتفاضة شكل من أشكال الاحتجاج العفوي الشعبي الفلسطيني على الوضع العام المزري بالمخيمات وعلى انتشار البطالة وإهانة الشعور القومي والقمع اليومي الذي تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. استمر تنظيم الانتفاضة من قبل القيادة الوطنية الموحدة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية فيما بعد. بدأت الانتفاضة يوم 9 ديسمبر/كانون الأول 1987، و هدأت في العام 1991، وتوقفت نهائياً مع توقيع اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993.

يُقدّر أن 1,300 فلسطيني قتلوا أثناء أحداث الانتفاضة الأولى على يد الجيش الإسرائيلي، كما قتل 160 إسرائيليّا على يد الفلسطينين، وبالإضافة لذلك يُقدّر أن 1,000 فلسطيني يُزعم أنهم متعاونين مع السلطات الإسرائيلية قتلوا على يد فلسطينين، على الرغم من أن ذلك ثبت على أقل من نصفهم فقط.

مصطلح انتفاضة

تعني الانتفاضة لغة في معجم لسان العرب لابن منظور: نفضت الثوب والشجر إذا حركته لينتفض. وكذلك جاء في المعجم الوسيط: انتفض الشيء: تحرك واضطرب، وفلان ينتفض من الرعدة. وقديماً وصف أحد الشعراء رعدته عندما يذكر حبيبته، فقال:

وإني لتعروني لذكراك هزّة كما انتفض العصفور بلّله القطر

استُعمل هذا المصطلح لأوّل مرّة لوصف الثورة الشعبية الفلسطينية في أول بيان صدر عن حماس الذي تم توزيعه لأول مرة في غزة يوم 11 ديسمبر 1987، وأطلق البيان لفظ "الانتفاضة" على التظاهرات العارمة التي انطلقت. قال البيان: "جاءت انتفاضة شعبنا المرابط في الأرض المحتلة، رفضاً لكل الاحتلال وضغوطاته، ولتوقظ ضمائر اللاهثين وراء السّلام الهزيل، وراء المؤتمرات الدولية الفارغة"[5].

دخل المصطلح ميدان الصحافة العربية و الغربية التي تناقلته بلفظه العربي [5] كما تواردته ألسنة المحللين والمؤلفين حتى في داخل الوسط الإسرائيلي حيث ألف الصحفيان زئيف شيف وإيهود ياري كتاب عن هذه الفترة التاريخية و أسمياه "انتفاضة".

أسبابها

في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 1987 دهست شاحنة إسرائيلية يقودها إسرائيلي من أشدود سيارة يركبها عمال فلسطينيون من جباليا-البلد متوقفة في محطة وقود، مما أودى بحياة أربعة أشخاص و جرح آخرين[6]. وقد اكتفت الإذاعة بإعلان الخبر دون أن تركز عليه لأنه كان عبارة عن حادث يشبه العديد من الحوادث المماثلة[7]. وقد أُشيع آنذاك أن هذا الحادث كان عملية انتقام من قبل والد أحد الإسرائيليين تم طعنه قبل يومين [8] حتى الموت بينما كان يتسوق في غزة، فاعتبر الفلسطينيون أن الحادث هو عملية قتل متعمد [7]. في اليوم التالي و خلال جنازة الضحايا اندلع احتجاج عفوي قامت الحشود خلاله بإلقاء الحجارة على موقع للجيش الإسرائيلي بجباليا-البلد فقام الجنود بإطلاق النار دون أن يؤثر ذلك على الحشود. وأمام و ما تعرض له من وابل الحجارة وكوكتيل المولوتوف[9] طلب الجيش الإسرائيلي الدعم. وهو ما شكل أول شرارة للانتفاضة. و لكن هذه الحادثة كانت مجرد القشة التي قصمت ظهر البعير، لأن الانتفاضة اندلعت بعد ذلك بسبب تضافر عدة أسباب.

الأسباب البعيدة للانتفاضة

إذا كانت الانتفاضة قد اندلعت بسبب قتل أربعة فلسطينيين، فإن هناك أسبابا عميقة لها تتمثل فيما يلي:

* عدم تقبل الاحتلال الإسرائيلي: حيث أن الشعب الفلسطيني لم يتقبل ما حدث له بعد حرب 1948، وبالذات التشريد والتهجير القسري وكونه يتعرّض لممارسات العنف المستمرّة والإهانات والأوضاع الغير مستقرّة في المنطقة. علاوة على الجوّ العامّ المشحون والرغبة في عودة الأمور إلى نصابها قبل الاحتلال كما أن معظم شعوب العالم لم ترضى باحتلال قوّة أجنبيّة للأرض التي كانوا يعيشون عليها منذ آلاف السنين.

* تردّي الأوضاع الاقتصادية: بعد حرب الأيام الستة فُتح للفلسطينيين باب العمل في إسرائيل مما سمح للاقتصاد المحلي بأن يتطور[10] و لكن سرعان ما تدهورت الأوضاع إذ بدأ الفلسطينيون يتجرعون إذلالات يومية و بدأت ظروف العمل تتدهور. أضف إلى ذلك التمييز بخصوص الأجور إذ بالنسبة لنفس العمل يتقاضى الفلسطيني أجرا يقل مرتين عن نظيره الإسرائيلي كما كان يمكن طرد العامل الفلسطيني دون دفع أجره[11]. كما كان الفلسطيني مطالبا بتصاريح للتنقل من الصعب الحصول عليها، باالإضافة إلى عمليات التفتيش اليومية التي يتعرضون لها في بيوتهم[12]. كان يتم كذلك خصم 20% من المرتبات على أساس أنها ستصرف على الضفة والقطاع و لكن بدل ذلك كانت تمول المصاريف العامة الإسرائيلية[11]

* على الصعيد القيادي، لم تكن القيادة الفلسطينية في المنفى على علم كامل بأوضاع الفلسطينيين في الداخل و لا بمعاناتهم ولم تكن تطرح الحلول لمساعدتهم. وكانت منظمة التحرير في تونس تعمل على إنشاء محور عمان-القاهرة لحماية ياسر عرفات عوض العمل على إيجاد حل لقضية اللاجئين أو الفلسطينيين[12].

* إلحاق القدس: احتلت إسرائيل القدس سنة 1967 ثم أعلنتها عاصمة أبدية لها، مع ما صحب ذلك من إجراءات من بينها تقنين الدخول إلى الحرم الشريف و أماكن العبادة الإسلامية . كما تم الاستيلاء على عدد من الأراضي لترسيخ فكرة القدس كعاصمة غير قابلة للتقسيم من خلال بناء المستوطنات بها. كان الجنرال موشيه دايان يهدف كذلك من خلال بناء المستوطنات إلى الاستيلاء على الأراضي فلسطينية بطريقة متخفية و دعمه الليكود و حزب العمال الإسرائيلي في ذلك لأنه سيؤدي إلى قيام دولة إسرائيل الكبرى [13] . بالإضافة إلى استعمال مصادر المياه الموجودة داخل الأراضي المحتلة لفائدة المستوطنين[14].

* على الصعيد العربي، لم يكن القادة العرب يأبهون بما كان يحدث للفلسطينيين - بعكس المثقفين والشعوب العربية -. وهو ما كان وراء خيبة هؤلاء من القمم العربية التي كان تضع القضية الفلسطينية في آخر اعتباراتها، وحتى عندما تناقشها فلم تكن تقدم لها أية حلول[15].

· تمثل الانتفاضة فشلا للجهاز القيادي الإسرائيلي الذي لم يكن منتبها إلى الغليان الفلسطيني بالرغم من التحذيرات التي أبداها عدد من السياسيين كوزير الخارجية السابق أبا ايبان الذي كتب في نوفمبر 1986، أي سنة قبل الانتفاضة، أن الفلسطينيون يعيشون محرومين من حق التصويت أو من حق اختيار من يمثلهم. ليس لديهم أي سلطة على الحكومة التي تتحكم في أوضاعهم المعيشية. إنهم يتعرضون لضغوط و عقوبات ما كان لهم أن يتعرضوا لها لو كانوا يهودا [...] إن هذه الحالة لن تستمر دون أن يؤدي ذلك إلى انفجار[16

الإنقاص من أهميتها

اجتمع عدد من العسكريين في موقع جباليا الذي هاجمته الحشود الفلسطينية خلال الجنازة. وأمام حجم حركة الاحتجاج طلب الاحتياطيون الدعم، لكن المشرف على الإقليم رد بأنه لن يحصل أي شيء، و أضاف بأن الحياة ستعود إلى طبيعتها في الغد و لم يتم القيام بطلب أي دعم أو إعلان حظر تجول[9].

لكن الاضطرابات لم تهدأ في اليوم الموالي، ورفض أغلب السكان التوجه إلى أماكن عملهم كما قام طلبة الجامعة الإسلامية في غزة بالتجول في الشوارع داعين الناس إلى الثورة. في حين أراد أفراد الجيش استعمال القوة لتفريق الحشود و لكنهم وجدوا أنفسهم تحت وابل من الحجارة. وقد تمكن بعض الشبان الفلسطينيين من الصعود على السيارات العسكرية وهو ما كان يرعب سائقيها فيزيدون في السرعة [17]. وقد تم رمي ثلاثة زجاجات حارقة أصابت اثنتان منها الهدف و اشتعلت النار في إحدى السيارات العسكرية. وبعدما تبين أن إطلاق النار في الهواء لا يؤثر على الحشود الهائجة، أمر الملازم عوفر بإطلاق النار على أرجل كل من يقترب [18]. وعندما وصل إسحاق موردخاي المسؤول عن منطقة الجنوب إلى موقع الجيش قام بعزل عوفر من مهامه بسبب قناعته أن المواجهة بين الجيش الإسرائيلي من جهة و الحشود الفلسطينية من جهة أخرى هي سبب الاضطرابات في قطاع غزة[18].

الرد السياسي و العسكري الإسرائيلي

في اليوم الثالث للانتفاضة، توجه إسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى نيويورك دون أن يأخذ أي إجراءات لمواجهة الانتفاضة. وفي غيابه قام إسحاق شامير بمهام وزير الدفاع رغم كونه لم يعمل في هذا المنصب من قبل[19]. كما أن رئيس الأركان في تلك الفترة كان حديث عهد بمنصبه ولم تكن له خبرة في مواجهة الثورات الفلسطينية. والحقيقة أن أي شخصية أمنية أو عسكرية إسرائيلية لم تكن تتوقع أن تقوم انتفاضة فلسطينية بتلك القوة. وقد سمحت هذه الظروف بانتقال الانتفاضة من قطاع غزة إلى الضفة الغربية.

عند وصول رابين إلى نيويررك تحدث وزير الدفاع الأمريكي عن الانتفاضة بإيجاز مما كان يدل على أن البعثة الإسرائيلية لم تكن تهتم بما كان يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة. يضاف إلى ذلك أن الفريق المكلف بنقل الأخبار إلى رابين كان قليل الخبرة فلم يكن رابين مهتما بما يجرى و كان شغله الشاغل أن يتم صفقة شراء أسلحة[19].

وعند عودته، لم يكن رابين يعلم الكثير عما يحدث وقام بعقد ندوة صحفية في المطار أكد خلالها أن إيران و سوريا تقفان وراء اندلاع الانتفاضة. فارتكب بذلك خطأ شنيعا، حسب المراقبين، لأن تصريحه كان يتعارض مع تصريحات شامير الذي حمل منظمة التحرير مسؤولية ما يحدث، كما أن المراقبين أجمعوا بأن الانتفاضة كانت عفوية ولم يكن يقف وراءها أحد

الرد العسكري الإسرائيلي

أعلن إسحاق رابين خلال كلمة في الكنيست الإسرائيلي « سنفرض القانون و النظام في الأراضي المحتلة، حتى ولو كان يجب المعاناة لفعل ذلك». وأضاف قائلا « سنكسر أيديهم و أرجلهم لو يجب ذلك» [21].

وصلت الانتفاضة إلى أعلى مستوى لها في شهر فيفري/شباط عندما نشر مصور إسرائيلي صور جنود يضربون فلسطينيين عزل. ودارت تلك الصور حول العالم بما أثار مشاعر التعاطف مع الفلسطينيين. أما إسرائيل فقد قامت بسياسة لتهميش منظمة التحرير و الإيقاع بين حركة حماس و الفصائل الأخرى[21].

عندما فشل الجيش النظامي في مواجهة الانتفاضة، استنجد بحرس الحدود من أجل إخماد الثورة الشعبية. ويعرف عن حرس الحدود كونهم قادرين على التحكم بالحشود الضخمة كما يعرفون بعنفهم[21]. ثم أن متوسط أعمارهم يترواح بين 35 و 40 سنة و لديهم بالتالي خبرة كبيرة. تم اللجوء أولا إلى اللواء رقم 20 و 21 الذين قاما بمراقبة الحدود بين إسرائيل و لبنان خلال غزو لبنان 1982. و لكن تدخل حرس الحدود لم يغير شيئا على الواقع. ومما صعب مهمتها أنه لم يكن يسمح لهم بإطلاق النار إلا إذا هوجموا من قبل أشخاص تزيد أعمارهم عن 12 سنة. ثم أن الرصاص يطلق أولا على ارتفاع ستين درجة و في حالة الخطر يطلق على الأرجل. و لكن هذه القواعد لم تحترم في أغلب الأحيان[22]. وفي أكتوبر 1988 أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن وجود وحدتين جديدتين في القطاع و الضفة الغربية متكونتين من أشخاص يتقنون العربية و متخفين في ملابس مدنية و تتلخص مهتهم في التغلغل داخل المقاومة الفلسطينية

تطور الانتفاضة

تميزت الانتفاضة بحركة عصيان وبمظاهرات ضد الاحتلال. امتدت بعد ذلك إلى كامل الأراضي المحتلة مع انخفاض لوتيرتها سنة 1991. فبعد جباليا البلد انتقلت إلى مخيم جباليا و من ثم ، انتقل لهيب الانتفاضة إلى خان يونس و البرج و النصيرات و من ثم غطى كل القطاع و انتقل بعد ذلك إلى الضفة. وقد تولى الانتفاضة عموما الأطفال و الشباب الذين كانوا يرشقون الجنود بالحجارة و يقيمون حواجز من عجلات مشتعلة. كما كانوا يجتمعون حول الجوامع و يتحدون الجيش بأن يقوم بتفريقهم. وقد استعملت مكبرات الصوت لدعوة السكان إلى التظاهر كما كانت توزع المناشير و يتم الكتابة على الجدران للثورة ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي [23].

كانت المناشير توزع عند مداخل المساجد من قبل أطفال لم تكن أعمارهم تتجاوز السابعة. أو كان يتم إلقاؤها من نوافذ السيارات قبل طلوع الشمس و يتم تمريرها من تحت الأبواب. جاء توزيع المناشير كشكل من أنواع الإعلام البديل بسبب تشديد دائرة الرقابة على الوسائل الإعلام التي لم تستطيع الوصول إلى الرأي العام الفلسطيني وأيضا مضايقات و اعتقال للصحفيين[24]. قامت إسرائيل أولا باتباع سياسة تعسفية من خلال الضرب و الإيقاف من دون المحاكمة و التعذيب إلى جانب إغلاق الجامعات و العقوبات الاقتصادية و بناء المستوطنات[25]. وقد أدت صور الجيش الإسرائيلي و هو يعتدي على الفلسطينيين إلى تعاطف دولي مع قضيتهم و نجح ياسر عرفات في استغلال هذا الموقف من أجل التقدم بالقضية الفلسطينية.

نشأت لجان محلية داخل المخيمات عملت على تنظيم الغضب غير المسلح للشارع الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي المسلح و الشد من أزره و التقريب بين صفوفه و ذلك عن طريق توفير المؤونة والتعليم والأدوية وباقي الخدمات الضرورية للمخيمات و المناطق التي يطبق فيها حظر التجول [26] .

اشتغلت هذه اللجان في البداية بشكل مستقل ولكن سرعان ما توحدت في هيئة تضم فتح والجبهتين الشعبية و الديمقراطية والحزب الشيوعي و كانت لهذه الهيئة علاقات تنظيمية مع منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت حينئذ تتخذ من تونس مقرا رئيسيا لها.

طالبت هذه الفصائل بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة وبالانسحاب الإسرائيلي خارج حدود 1967. واستمرت الانتفاضة إلى غاية سنة 1993 تاريخ التوقيع على اتفاقية أوسلو. كما ساهمت هذه الانتفاضة في نشوء حركة حماس الداعم القوي لها التي أعلنت عن نفسها عام 1987.

مطالبها

سعى الفلسطينيون عبر الانتفاضة إلى إلى تحقيق عدة أهداف يمكن تقسيمها إلى ثوابت فلسطينية و مطالب وطنية[27].

ثوابت فلسطينية

1. إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس وتمكين الفلسطينيين من تقرير مصيره

2. تفكيك المستوطنات

3. عودة اللاجئين دون قيد أو شرط .

4. تقوية الاقتصاد الفلسطيني : تمهيدا للانفصال عن الاقتصاد الإسرائيلي

المطالب الوطنية

1. إخلاء سبيل الأسرى الفلسطينيين والعرب من السجون الإسرائيلية .

2. وقف المحاكمات العسكرية الصورية والاعتقالات الإدارية السياسية والإبعاد والترحيل الفردي والجماعي للمواطنين والنشطاء الفلسطينيين .

3. لم شمل العائلات الفلسطينية من الداخل والخارج .

4. وقف فرض الضرائب الباهظة على المواطنين والتجار الفلسطينيين .

5. وقف حل هيئات الحكم المحلي المنتخبة من مجالس بلدية وقروية ولجان مخيمات .

6. إتاحة المجال أمام تنظيم انتخابات محلية ديموقراطية للمؤسسات في البلاد .

7. وقف ارتكاب ما يتعارض مع العادات الفلسطينية

العصيان المدني

ملصق للانتفاضة من سنة 1990

تتميز الانتفاضة الأولى بحركة عصيان مدني كبيرة و مظاهرات ضد الاحتلال الإسرائيلي. وكانت حركة العصيان المدني مطروحة قبل بدء الانتفاضة و لكن قادة منظمة التحرير لم يعيروها أي اهتمام اعتقادا منهم أن الأشخاص الداعمين لها سذج جاهلون لحقيقة الوضع الفلسطيني. أما الإسرائيليون فقد كانوا يدركون مدى امكانيتها لكنهم قللوا من أهميتها[28].

ومن بين أشد مناصري حركة العصيان المدني، مبارك عوض، وهو عالم نفس عاش 15 سنة في الولايات المتحدة الأمريكية، وعاد سنة 1983 إلى القدس ليفتح مركزا للاعنف. وقد باءت جميع محاولاته لتطبيق سياسة اللاعنف على الأرض بالفشل. وكان أعضاء منظمة التحرير يحتقرونه و يهددونه ويعتبرونه عميلا للمخابرات الأمريكية[29].

في سنة 1986 بدأ الفلسطينيون يهتمون بأفكاره. وكان الرجل قد اخترع أكثر من مئة و عشرين طريقة كفاح لاعنفي وكان يدعمه سري نسيبة و حنا سنيورة. وقد قام هذا الأخير بإطلاق نداء لحركة عصيان مدني تبدأ بمقاطعة السجائر و المشروبات الغازية و تمتد لاحقا إلى رفض دفع الضرائب و انتهاء بالقطيعة من النظام الإسرائيلي. غير أن نداءه لم يجد أي صدى واتهم بأنه يريد أن يمنع الشباب من مواجهة الجيش في الشارع. اقترح مبارك عوض بتعويض أعمال الشغب بحملات تنظيف و مسيرات صامتة. كما دعا إلى إنشاء هياكل فلسطينية لتعويض هياكل الإدارة المدنية الإسرائيلية بحيث تكون هذه الهياكل نواة لدولة فلسطينية في المستقبل. ودعا كذلك إلى تخزين المؤن الغذائية و الوقود و خلق نظم تمويل محلية بدل انتظار المساعدات الخارجية[30].

في نهاية شهر جانفي/كانون الثاني 1988 اجتمع أعضاء القيادة الوطنية الموحدة و اتفقوا على أن حركة الثورة لا يمكن أن تستمر أكثر من ستة أشهر كما كانوا يؤمنون -بفضل خبرتهم- أن طاقة تحمل الشعب ليست قوية و اتفقوا على أن خير حل يكمن في فكرة العصيان المدني و بدؤوا في دراسة أفكار عوض و اعتمدوا عددا من نقاط برنامجه كبرنامج للانتفاضة[31]. عندئذ أخذت الانتفاضة توجها على المدى الطويل. وأصبح مبارك عوض مطلوبا بكثرة و أصبح أعداء الأمس من أشد المدافعين عنه. وبدأت أفكاره تلاقي نجاحا فوجد نفسه تحت تهديد الطرد من قبل السلطات الإسرائيلية وذلك عن طريق وزير الدفاع الذي أعلن أنه لن يتم تجديد تأشيرته السياحية و ذلك رغم الدعم الذي تلقاه من عدد من الشخصيات الأمريكية. قرر عوض استئناف القرار أمام المحكمة العليا في إسرائيل و أعلن أنه مستعد لاعتناق الدين اليهودي إن لزم الأمر ذلك[32].

قررت إسرائيل تطبيق إجراءات عقابية و رادعة لإعادة السيطرة للإدارة المدنية الإسرائيلة و الحد من انتشار حركة العصيان. وتمت مراجعة القانون الجزائي ليسمح بالقيام بعمليات إيقاف موسعة. بالإضافة إلى بناء عدد من مراكز الإيقاف لاحتواء العدد الكبير من الموقوفين الفلسطنيين لفترات طويلة. وقرر الجيش كذلك المد من فترات حظر التجوال. وخلال العام الأول للانتفاضة تم إحصاء 1600 حظر تجوال منها 118 لفترة لا تقل عن خمسة أيام. وعاش جميع سكان قطاع غزة حالة منع تجوال وكذا ما لا يقل 80% من القرى و المدن العربية بالضفة الغربية. كما تم إغلاق الجامعات و المدارس الفلسطينية وإبعاد 140 من قادة الانتفاضة إلى جانب هدم عدد من المنازل[33].

كما أغلقت الجمعيات التي أبدت رغبة في الاستقلال أو انتقاد إسرائيل. ومنع القادمين من الأردن من إدخال مبالغ مالية تفوق مائتي دينار أردني من أجل الحد من الدعم الخارجي للانتفاضة بعد أن كان يسمح بإدخال ألفي دينار. وتم تنظيم حملات من أجل إجبار الفلسطينيين على دفع الضرائب الإسرائيلية [34] واشترط لتجديد رخص التصدير القيام بدفع الضرائب. وتم إرساء حصار على عدد من المناطق المؤهولة بالعرب فقط مما منعهم من التحرك أو تصدير ما ينتجونه. ووصل الأمر كذلك إلى حد قطع التيار الكهربائي والإمدادات بالماء و خطوط الهاتف. وزاد الوضع تدهورا عندما منعت الأردن استيراد عدد من بضائع الضفة. وقد أدت مجمل هذه السياسات إلى انقلاب ميزان القوة و تدهور مستوى المعيشة لدى الفلسطينيين بنسبة تترواح بين 30 و 40 %[35].

ومن الأمثلة على العصيان المدني تسليم سكان منطقة بيت ساحور لهوياتهم للحاكم العسكري في المنطقة في إطار رفضهم لدفع الضرائب، مما وضع الحاكم العسكري في وضع بالغ الإحراج، حيث أن إسرائيل بدأت تخشى من أن تفقد حتى القدرة على التعرف على الفلسطيينيين.

كذلك حاول الفلسطينييون في منطقة بيت ساحور أيضا إنشاء مزرعة للأبقار بتكاتف مادي من السكان، قابلته إسرائيل بمحاولات متكررة عسكرية لإغلاقه والتخلص منه لما كان يمثله من تحدي لسيطرة الاقتصاد الإسرائيلي على السوق الاستهلاكي الفلسطيني، أصبح في عدة حالات مثيرا للضحك لدى الفلسطينيين الذين كانوا "يهربون" أبقارهم في الليل بينما تقوم دوريات عسكرية بالبحث عن الابقار.

دور النساء

امرأة فلسطينية و جندي إسرائيلي في القدس

على عكس الاحتجاجات السابقة، فقد لعبت النساء الفلسطينيات دوراً بارزاً خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، إذ لم يكن يخشين مواجهة الجيش الإسرائيلي أو دعم القضية الفلسطينية. كان هذا الدعم ملموسا في الواقع إذ كن يمثلن ثلث ضحايا الانتفاضة كان دورهم في المدن أكبر من دور النساء في القرى. يعود هذا إلى التأثير الكبير للسلطة الأبوية في القرى و الذي يقوم بإبقاء النساء في القرى[36]. بدأت الانتفاضة السماح للنساء بتأكيد وجدهم على الصعيد الاجتماعي و السياسي مما شكل قطيعة مع الماضي. ففي السابق كانت النساء الناشطات هم فقط اللواتي يشاركن في السياسة الوطنية.

بدأ دخول المرأة الفلسطينية معترك السياسة في سبعينات القرن الماضي بإنشاء عدد من الجمعيات الطلابية، و صاحب دخول المرأة الفلسطينية السياسة إلى ارتفاع عدد المعتقلات السياسيات الذي لم يكن يتعد بضع مئات خلال السبعينات ليرتفع لبضعة آلاف خلال الثمانينات[37]. وقد ساهمت السياسة الإسرائيلية النساء الفلسطينيات لاسماع صوتهن بعد أن قامت بإلغاء إجراء أردني يعود إلى سنة 1955 الذي كان يمنعهن من التصويت فاستطاعت المشاركة في انتخابات البلدية عام 1976 و تم انتخاب عدد منهن في عدد من المجالس البلدية[37].

مع تدهور أوضاع المعيشة وارتفاع وتيرة الانتهاكات الإسرائيلية زادت مشاركة المرأة و ذلك إما عن طريق رمي الحجارة أو تنظيم مظاهرات أو في صياغة سياسة تسمح من التحصل على مكاسب من وراء الانتفاضة. مع تزايد العقوبات الإسرائيلية لعبت النساء دورا مهما لبلوغ الإكتفاء الذاتي إذ قمن بإنشاء تعاونيات من أجل توفير كل المواد التي شح وجودها بسبب العقوبات.

حركة الجهاد المسلح

رغم أن الانتفاضة عرفت بطابعها السلمي فإن النشاط المسلح كان موجودا بنسبة 15%، وهو يستهدف أساسا الجنود الإسرائيليين و المستوطنين و المتعاونين معهم. وبينما لم تكن حماس تفرق بين الجندي و المستوطن معلنة أن المستوطن جنديا كونه يحتل أرض ويحمل سلاح ليقاتل الفلسطينيين ، كانت نداءات القيادة الوطنية الموحدة تفرق بينهما دون أن تشير إلى المدنيين الإسرائيليين غير القاطنين بالأراضي المحتلة[39]. وكان يتم كذلك نشر قوائم بأسماء المتعاونين مع إسرائيل. وبينما كانت حماس تقدمهم على أنهم مصابون بعقلية مريضة، و انهزاميون، و جبناء و أنهم لا يرتقون إلى مرتبة الرجل، كانت القيادة الموحدة تعتبرهم منشقين عن الصف الوطني[39].

تم إنشاء ما يسمى بالقوات الضاربة بعد تكون القيادة الوطنية الموحدة و كان أعضاء فتح في البداية من استعان بهم. كانت مهمة هذه القوات تتمثل في تطبيق توصيات القيادة الموحدة و معاقبة من يبتعد عن نداءات الوطن. لكن تعدد القوات المسلحة لم يلق قبولا من الجميع و يمكن ملاحظة ذلك من خلال منشورات كل فصيل[39].

شهدت الانتفاضة عددا من العمليات ضد الأهداف الإسرائيلية مثل عملية ديمونا بالنقب عام 1988 حينما تمت مهاجمة حافلة تقل عاملين متوجهين إلى مفاعل ديمونة. كان يتم كذلك اختطاف جنود يهود لمبادلة أسرى بهم ، وملاحقة وقتل العملاء وسماسرة الأراضي فرديا وجماعيا. عرفت الانتفاضة ظاهرة حرب السكاكين إذ كان الفلسطينيون يهاجمون الجنود و المستوطينين الاسرئيليين بالسكاكين و يطعنونهم[27].

نشأة حركة حماس

عندما اندلعت الانتفاضة في قطاع غزة، طلب طلبة أحمد ياسين منه المشاركة و دخول المجال المسلح بدل الخط السياسي. لم يكن أحمد ياسين يريد مواجهة إسرائيل عسكريا و كان يمنع هذا النوع من الأنشطة لأنه كان يعتبر أن أي مواجهة مع الدولة العبرية سيكون مكلفا. ولكنه غير من وجهة نظره بعد أسابيع من انطلاق الانتفاضة و تم البدء في توزيع مناشير تدعو للانضمام إلى صفوف الحركة. كانت المناشير توقع باسم حركة المقاومة الإسلامية و كان هذا الاسم مجهولا في تلك الفترة. عندما أنشئت القيادة الوطنية الموحدة، اعتبر أحمد ياسين هذه الخطوة كمناورة قامت بها حركة تحرير فلسطين لتسيطر على الانتفاضة[40] فقرر إنشاء حركة حماس و ذلك في 14 ديسمبر 1987 [41] كما حاول حماية المؤتمر الإسلامي الذي يترأسه بإقناع الناس بأن حماس و المؤتمر جهتان منفصلتان.

تم إنشاء شبكة استخبارات اسمها مجد لملاحقة الأشخاص المتعاونين مع الشين بيت. كما التحق أعضاء الإخوان المسلمين بحماس التي تطورت و أصبحت تمثل دورا هاما في القطاع. بدأت بهاجمة الجنود الإسرائيليين كما قامت بحرق المحلات و الحقول المملوكة من قبل إسرائيليين في القطاع. وفي الصيف الموالي أصبح لحماس وجود لا يستهان به في الضفة.

قرر الوسط الأمني الإسرائيلي بالقيام بعملية موسعة بين شهري جويلية و سبتمبر 1988. فتم إيقاف 120 من القادة الكبار في المنظمة منهم جميل التميمي المسؤول عن عملية التنسيق بين القطاع و الضفة. أما أحمد ياسين فلم يتم إيقافه بسبب شعبيته الجارفة وحالته الصحية و تم تحذيره بشدة إن قام بدعم الأعمال «الإرهابية». تم التفكير في منعه من المكوث في غزة ولكن تم التراجع عنها تخوفا من أن يسهم ذلك القرار في زيادة شعبيته[42]. بعد هذه الحملة نجحت حماس في إعادة تنظيم صفوفها خلال أسابيع. فتم شن حملة عسكرية ثانية في ماي 1989 و تم إيقاف الشيخ أحمد ياسين مع 260 ناشطا من حماس ولكن إسرائيل كانت مدركة أن الحركة كانت قادرة على إعادة تنظيم صفوفها مع تزايد وتيرة الانتفاضة[43].

عرب 48

لم يكن أحد يتوقع مشاركة عرب الـ48 و فوجئ بها الجميع، فقد كان رد فعلهم أسرع من رد فعل منظمة التحرير في تونس[15]. فقد أعلن فلسطينيو الداخل بأنهم جزء من الانتفاضة و لكن بدل استعمال العنف سيقومون باستعمال حقوقهم من داخل النظام الديمقراطي الإسرائيلي[44]. فقد قام عرب الداخل بتنظيم مظاهرات و حركات إضراب تضأمنية و كانوا يفخرون بالجرأة التي يواجهون بها الجيش الإسرائيلي. وقاموا بإرسال مساعدات غذائية و أدوية و مساعدات مالية إلى الفلسطينيين كما كانوا يتبرعون بالدم لصالحهم[45]. أما النواب العرب بالكنيست فقد كانوا يتدخلون من أجل الأسرى الفللسطينيين. وقد وجد عرب الداخل كذلك دعما من قبل بعض فصائل اليسار الإسرائيلي[46].

عندما وجدت القيادة الموحدة صعوبات من أجل طباعة المناشير تم اللجوء إلى مطابع الناصرة أكبر مدينة عربية داخل إسرائيل و من ثم إلى القرى العربية. وضع البعض حساباتهم البنكية تحت تصرف منظمة التحرير من أجل تحويل الأموال. وقام آخرون بإعطاء هواتفهم عندما قرر جهاز الشاباك قطع الخطوط الدولية من أجل منع الفلسطينيين من استقبال مكالمات من الخارج[45].

ساهمت الانتفاضة في تسريع عملية «فلسطنة» عرب الداخل. كما ساهمت في تغيير استراتيجيتهم السياسية التي كانت تعمل على التأثير على سياسة الداخل الإسرائيلية بالتغلل في الإدارات. وقد استقال نائبان عربيان ينتميان لحزبين صهيونيين من أجل إنشاء الحزب العربي الديمقراطي. ولم يعد الناخبون العرب يصوتون للأحزاب الصهيونية بل أصبحوا للاحزاب غير الصهيوينة مع توجه للأحزاب المتعاطفة مع الفلسطينيين مثل الحزب الشيوعي الإسرائيلي و القائمة التقدمية من أجل السلام. وبالفعل ارتفعت سنة 1988 نسبة مشاركتهم في الانتخابات إلى 73% مع تصويت الثلثين لأحزاب غير صهيونية[47]. أدت الانتفاضة كذلك إلى خروج جيل جديد من الشباب من أصحاب الشهادات على مستوى عال من الوعي و تعاطف كبير مع الانتفاضة[48

الكتابة على الجدران

قبل بدأ الانتفاضة كانت الكتابة على الجدران حكراً على فصائل منظمة التحرير وعندما تفجرت الانتفاضة بدأت الحركة الإسلامية (حماس، الجهاد الإسلامي) الكتابة على الجدران بدون خبرات سابقة و أصبحت هذه الكتابة من نشاطاتها. كانت هذه الشعارات تبدأ بالشعارات التاريخية كما كان يتم اللجوء إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية و الاقتباس من الأناشيد والأشعار الإسلامية. [24]. ومن هذا المنطلق فقد أكثرت شعارات حماس من وصف الانتفاضة بأنها "إسلامية" و "مباركة" وأنها "ثورة مساجد" وأنها "حرب عقائدية" وأن استمرارها "قدر رباني" وأن عنوانها الكبير صيحات التكبير وأن الإسلاميين هم الذين "فجروا" الانتفاضة (لم تقصد حماس من تفجير الانتفاضة تعجيل المفاوضات مع جزاري شعبنا. (حماس - دير غسانة)) بينما كانت شعارات فتح تأكد أنها أول من حمل الرصاص والحجارة ضد الاحتلال (فتح أو رصاصة وأول حجر. (فتح - بيت لقيا)). من الجهة الأخرى لم تركز شعارات القيادة الوطنية الموحدة على إعطاء وصف محدد للانتفاضة[49].

جاءت هذه الكتابات في ظل غياب وسائل الإعلام التي لم تستطع النفاذ في زمن الانتفاضة إلى الرأي العام الفلسطيني نظراً للممارسات الشديدة التي قامت بها سلطات الاحتلال عليها من اعتقال للصحفيين وإغلاقه لها، وتشديد دائرة الرقابة عليها، وتأخير صدورها فكان الجدار المحل الوحيد لنقل مجريات الواقع و أصبح للجدران وظيفة إعلامية مما جعل جدران فلسطين توصف بأنها جريدة الشارع الفلسطيني و أصبحت القيادات المحلية تستعمله للإيصال الرسائل التي لا تستطيع إيصالها عبر مختلف وسائل الإعلام. و حرصت الفصائل الفلسطينية المختلفة على الإكثار من الكتابات الجدارية لأنها تمثل إحدى علامات الوجود والقوة في منطقة معينة على سبيل شعار (فتح مرت من هنا) (وحماس في كل مكان) كما أكثرت الفصائل من كتابة أسمائها "مجردة" في كل الأماكن كأسلوب للدعاية وإثبات الوجود. ومن هنا فقد قام البعض في الساحة الفلسطينية بمسح شعارات الآخرين لنفس الأسباب[24].

تتراوح أعمار الأشخاص الذين يقومون بكتابة الشعارات بين 13-35 عاماً، مع وجود ملحوظ لفئة 16-25 عاماً. يتميز هؤلاء الأشخاص بكونهم على قدر من التعليم والثقافة، أما صياغة الشعار فقد تكون من فعل الكتاب أنفسهم أو بتوجيه من القيادات الميدانية أو العليا. والكتابة قد تكون بعد تخطيط مسبق أو توجيه خارجي و هو الغالب حيث يقوم مجموعة أشخاص منقسمون إلى مجموعة تقوم بالكتابة و أخرى بالحراسة ويتم استعمال علب الدهانو اللجوء إلى كتابة بخط كبير ظاهر الجدران، كما قد تكون بمبادرة فردية ذاتية و يتم استعمال القلم أو العود أو المسمار أو غيره للكتابة على الدفاتر والكتب ومقاعد الحافلات والجدران الداخلية للصفوف المدرسية والمرافق العامة[24].

على الصعيد الدولي

سمحت الانتفاضة بأن يطلع العالم و يهتم بالقضية الفلسطينية و سمحت المشاهد التلفزية للتعسف الإسرائيلي كالمشهد الذي التقطته أجهزة التصوير التلفزيوني الغربية للجنود الإسرائيليون الذين كانوا يكسرون أيدي بعض الشباب الفلسطيني بالحجارة الكبيرة [50] الذي دوى في سمع الرأي العام العالمي الذي جعله يتعاطف مع الفلسطينيين. انتشرت الكوفية في المجتمع الغربي و كانت تدل على تعاطف و مساندة للفلسطينيين و أصبحت رمزا للثورة.

في 22 من ديسمبر 1987، أي بعد أسبوعين من بدأ الانتفاضة، أصدر مجلس الأمن قراره رقم 605 بعد الرسالة التي بعثها المندوب الدائم لليمن الذي كان ممثلا للدول العربية لشهر ديسمبر 1987[51]. وقد شجب القرار السياسات والممارسات التي تنتهك من حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، وبصفة خاصة قيام الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار مما أدّى إلى مقتل وجرح المدنيين الفلسطينيين العزّل[52] و طلب من إسرائيل التي تمثل السلطة القائمة بالاحتلال أن تتقيد فوراً وبدقّة باتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب.

الضحايا

تقدر حصيلة الضحايا الفلسطينيين الذين قضوا على أيدي القوات الإسرائيلية أثناء انتفاضة الحجارة بحوالي 1,162 شهيد، بينهم حوالي 241 طفلا [53] ونحو 90 ألف جريح ومصاب و15 ألف معتقل فضلاً عن تدمير ونسف 1,228 منزلاً، واقتلاع 140 ألف شجرة من الحقول والمزارع الفلسطينية، أما من الجانب الإسرائيلي فقتل 160،منهم 5 فقط من الأطفال .

تم اعتقال ما يقارب من 60.000 أسير فلسطينى من القدس والضفة والقطاع و عرب الداخل بالإضافة للأسرى العرب. لاستيعاب هذا العدد الهائل من الأسرى اضطرت إسرائيل إلى افتتاح سجون،مثل سجن كتسيعوت في صحراء النقب والذي افتتح في عام 1988[54].

نتائج الانتفاضة

حققت الانتفاضة الأولى نتائج سياسية غير مسبوقة ّإذ تم الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني عبر الاعتراف الإسرائيلي الأميركي بسكان الضفة والقدس والقطاع على أنهم جزء من الشعب الفلسطيني وليسوا أردنيين[55].

ادركت إسرائيل أن للاحتلال تأثير سلبي على المجتمع الفلسطيني كما أن القيادة العسكرية أعلنت عن عدم وجود حل عسكري للصراع مع الفلسطنيين، مما يعني ضرورة البحث عن حل سياسي بالرغم الرفض الذي أبداه رئيس الوزاراء إسحاق شامير عن بحث أي تسوية سياسية مع الفلسطنيين. أدت هزيمة صدام حسين خلال حرب الخليج الثانية إلى ارتياح في داخل المجتمع الإسرائيلي مما يعني نهاية أي تهديد محتمل من "الجبهة الشرقية" واستبعاد فكرة احتمال تشكيل قوات تحالف عربية لمهاجمة إسرائيل، مما أدى إلى تغير الشعور الإسرائيلي بالتهديد فاكتسبت إسرائيل القدر الكافي من الثقة الذي يمكنها من القيام بمبادرات سياسية أكثر خطر و أراد كل من الرئيس بوش الأب وحلفائه الأوروبيين والعرب في استخدام نتائج الحرب كنقطة انطلاق لعملية سلام بين العرب والدولة العبرية[56]. فجاء مؤتمر مدريد الذي شكل بداية لمفاوضات السلام الثنائية بين إسرائيل والدول العربي و تم التشاور مع الفلسطينيين حول حكم ذاتي. تم اجراء بعد ذلك عدد من المفاوضات غير العلنية بين الفلسطينيين والإسرائيليين في النرويج التي ادت إلى التوصل لاتفاق اسلو الذي أدى انسحاب إسرائيلي تدريجي من الـمدن الفلسطينية، الذي بدأ بغزة وأريحا أولاً، في عام 1994، وتواصل مع باقي الـمدن باستثناء القدس وقلب مدينة الخليل،( وهذا منافي للاتفاق ).

كان قد سبق التوقيع تبادل عدد من الرسائل بين ياسر عرفات و اسحاق رابين تعترف فيه منظمة التحرير بحق إسرائيل في الوجود و تتخلى عن اللجوء إلى الإرهاب ( المقصود مقاومة الاحتلال من وجهة النظر الإسرائيلية ). في المقابل تتلتزم إسرائيل بإيجاد حل سلمي للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي و اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل الشعب الفلسطيني[57].

تم إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية التي أصبحت لها السيادة مكان الإدارة المدنية الإسرائيلية تنفيذاً للاتفاقات الموقعة. في أغسطس 2004، تم نقل الصلاحيات والمسؤولية إلى ممثلين فلسطينيين في الضفة الغربية في خمسة مجالات محددة: التعليم والثقافة، الصحة، الرفاه الاجتماعي، الضرائب المباشرة والسياحة. في 20 جانفي 1996 تم اجراء أول انتخابات رئاسية و تشريعية فلسطينية [55] . في ايلول سبتمبر 1995 تم توقيع اتفاق جديد سمي باوسلو 2 و تضمن توسيع الحكم الذاتي الفلسطيني من خلال تشكيل المجلس التشريعي الفلسطيني وهو هيئة حكم ذاتي فلسطينية منتخبة.